مذكرات جارية في حريم السلطان

 http://iqbaltamimi.files.wordpress.com/2012/04/14413_full_570x397.jpg
ولدت في بيت قديم كان ذات يوم حرملك أحد البشوات ، وخلال طفولتي كان الخدم والجواري يعيشون معنا ، ترعرعت في تركيا وأنا أستمع للقصص والأغاني التي يمكن ببساطة أن تكون مستمدة من قصص الف ليلة وليلة ،وغالبا ما كان الناس حولي يتهامسون عن الحرملك الذي ربيت جدتي وإحدى أخواتها في إحداها .
ومنذ ذلك الحين أدركت أنها لم تكن قصصا عادية . بهذه الشهادة الحية تقدم المؤلفة التركية / أليف كروتييه/ كتابها الأكثر شهرة / عالم الحريم .. خلف الحجاب / الذي ترجم الى لغات عدة ، وكان من الكتب التي أدرجت على قائمة الكتب الأكثر مبيعا في العالم ، ولا شك ان السبب الرئيسي للانتشار الواسع لهذا الكتاب انه خلاصة تجارب حية في عالم الحريم الذي امتد من العصور الوسطى حتى مطلع القرن العشرين ، فكاتبته امرأة تركية ، وحفيدة جارية عاشت في حرملك السلطان العثماني ، وقد روت هذه الجارية لحفيدتها كل شيء عن الحرملك . إضافة الى ان المؤلفة التقت بنساء عشن ، أو عايشن نساء من الحرملك ، المغلق على نسائه ، والمعزول عن العالم الخارجي ، حتى ان / قلبياز/ المحظية المفضلة للسلطان / محمد الرابع / قالت في القرن السابع عشر : / لم تزرنا الشمس أبدا وقد اصبحت بشرتي كالعاج . ص47/فهل هذه المحظية تفخر بأنها اصبحت أكثر جمالا وهذا مايزيد حظوتها لدى السلطان ، أم هي كانت تحتج على سجنها الباذخ؟!.. علما أن الحرملك لم يكن مقتصرا على السلاطين العثمانيين في تركيا ، فلقد شاعت انواع اخرى من الحرملك - وإن اختلفت بعض تقاليدها - لاسيما في إيران والهند والصين ، ولكن يبقى حرملك السلاطين العثمانيين هو الأكثر شهرة في العالم . الكتاب الذي نتحدث عنه رصد جميع جوانب الحرملك وما يتعلق به ، ولكن لضيق مساحة الصفحة سأتناول لقطات يتحاشى الجميع الحديث عنها عندما يتحدثون عن عالم الحريم ، أو على الأقل يجهلونها اذا افترضنا حسن النية !.. يتضمن الكتاب مقبوسات من مذكرات الرحالة الذين كتبوا عن الجواري ، ومنهم الرسام البريطاني / ويليام جيمس موللر/ الذي كتب في القرن التاسع عشر انطباعاته عن سوق الجواري ، والتي تظهر كيف تحولت الجارية الى شبه كائن انساني ، بل يمكن القول الى حيوان داجن له استعمالاته الخاصة : / تم اقتيادي لأراقب السيد وهو ينزع عن انثى كل ما يغطيها ثوب صوفي سميك - ويعرضها أمام أنظار المتفرجين ص 27/وفي العصر ذاته كتب المستشرق / جيررادي نيرفال / عن هذه السوق ايضا ، ومن الجدير بالاشارة الى انه تنبه بذكاء الى نفسية الجارية ، وهذا شيء نادر فيما كتب عن الجواري :/ كان التجار جاهزين لتعريتهن ، لكزوهن كي يفتحن أفواههن لأتمكن من فحص اسنانهن ، ودفعوهن للمشي جيئة وذهابا ، واستعرضوا ، في المقام الاول ، مرونة أثدائهن . فكان رد فعل هولاء البائسات بطريقة أبعد ما تكون عن الغم ، فالمشهد لم يكد يسبب لهن أي ألم ، لأن معظمهن انفجرن بالضحك المنفلت من عقاله 28/ هنا نجد ان الجواري فقدن اي إحساس بالخجل ، والعار ، فلقد صرن يعاملن أنفسهن كسلعة وحسب ، مثلما يعاملهن الآخرون ، وهذا هو الشيء الأكثر قسوة في تاريخ الحرملك ، على ما في هذا التاريخ من ظلم ، ووحشية ومن هذا التاريخ المظلم نذكر انه كانت تجري عمليات لاستئصال المبيض او الرحم للجارية التي تخدم أقرباء السلطان ، وذلك لقطع الطرق على اي منافسة محتملة ضمن دائرة العائلة الحاكمة . وفي حال ثبوت حمل احدى الجاريات ، كان يتم وضعهها في كيس محكم ثم تقذف في النهر لتموت غرقا ،وكي تكتمل الصورة لابد من الاشارة هنا الى أنه : / باعتلاء سلطان جديد العرش ، يتم ارسال نساء سلفه وبطانتهن الى القصر القديم ، المعروف باسم قصر غير المرغوبات او قصر الدموع ص41/ ولا تبقى لدى الجاريات المبعدات سوى انتظار الموت بهدوء ، بينما يجدد الحرملك في قصر السلطان لاستقبال الجواري الجدد. وحتى تتضح الصورة في ذهن القارىء أذكر أن ثمن الجارية في ذلك العصر كان يقدر بين 1000و2000 قرش في الوقت الذي كان ثمن الحصان يعادل 5000 قرش ، وهذا كان نتيجة لأسر آلاف الجواري من قبل الجيش العثماني ، إضافة الى انتشار الفقر المدقع بين الملايين بعدما استولت السلطة العثمانية على الثروات كافة ، حتى ان بعض العائلات الفقيرة كانت تدفع بناتها الى سوق الجواري لبيعهن كيلا يمتن من الجوع . حتى بلغ الأمر أنه لم تكن الجواري حكرا على قصور السلاطين ، فكل رجل يملك القليل من المال يستطيع شراء جارية او أكثر لخدمته ، والتسرية عنه . وفي ذاك العصر الفائض بالنساء المستباحات ، تم إنشاء ما يشبه المعاهد - بلغة عصرنا - لتعليم الجواري الصغيرات والجميلات الرقص ، والعزف ، والغناء ، وحفظ الشعر الغزلي ، والأحاجي ، والطرائف، اضافة الى فنون الإثارة ، بهدف بيعهن الى كبار الأثرياء لأثمانهن المرتفعة. ومن المؤكد انه لم يكن يسمح للجواري بتعلم القراءة والكتابة ، ولكن بعض الجواري كن متعلمات قبل أسرهن وهذا ما مكنهن من كتابة مذكراتهن ، تكتب احدى الجواري:/أنا واحدة من نساء الحرملك أنا عبدة عثمانية ، حملت بي أمي إثر حادثة اغتصاب مشينة ، وولدت في قصر مترف ص21/ وهذه الجارية لم تذيل الورقة باسمها خوفا من ان تقع هذه الورقة في يد أحد الوشاة فتعاقب / وهناك قصيدة غفل من الاسم منقوشة على جدار برج الحرملك المحصن ، كتبتها احدى الجواري المتفجعات التي سجنت بسبب سرقة مرآة رخيصة فقامت بتحويل دموعها الى شعر : من اجل ضياع مرآة / بخسة الثمن / ألقي القبض على الجالسة هنا ص59 المؤلفة تستدرك في الفصل الاخير قائلة :/ ما يزال الحرملك والجواري جزءا من نسيج المجتمع الغربي المعاصر ص266/ وهي تعني تحديدا : الاعلانات التجارية التي تعرض المرأة كجسد ، التعري ، أفلام الجنس ، بنات الليل ، مرافقات الرجال الاثرياء . لا شك ان الكاتبة لا تقصد ان مجتمع الحريم انتقل من الشرق بعد انقراض صورته القديمة ليتحول الى الغرب بصورة جديدة ، بل تؤكد انه برزت في الغرب اساليب كثيرة ترسخ عبودية بشكل لافت للنظر ، بالرغم من ان المرأة؛ الغربية تتمتع بحريتها كاملة ، فأنها مازالت قابلة لان تبقى مجرد جسد قابل للمتاجرة ، وإن بطرق أكثر تهذيب ا بالمقارنة مع الحرملك الشرقي .

هناك 3 تعليقات :

Recommend on Google